Thursday, May 6, 2010

الأقباط ونهاية مرحلة : المطالب الدينية والمطالب المدنية 1 / 3

الكاتب محمود الزهيري
الخميس, 06 مايو 2010 16:50


برغم المآسي التي يعيشها الأقباط المسيحيين في مصر , وكم الجرائم المتمثلة في الإذدراء والتحقير , والتي تصل لجرائم القتل أحيانا , إلا أن هناك وعي متنامي لدي العقلية القبطية المسيحية وهذا ناتج من الضغوطات التي كانت من صنائع النظام الحاكم المتواطئ مع بعض من رجال الكنيسة المصرية علي خلفيات مصلحية تدار بين مؤسسة الحكم والسلطة والأجهزة الأمنية , وبين بعض المنتمين إلي المؤسسة الدينية الكنسية , والتي جعلت من الأقباط المسيحيين بمثابة رهينة لدي النظام المصري , ولا أقول رهينة لدي الحكومة المصرية أو الدولة المصرية , بل أقول تحديداً لدي النظام الحاكم الباني فعاليات وجوده وإستمراره في السلطة علي الإستبداد والطغيان والفساد

والناظر للمسألة القبطية علي أنها المنطقة أو الجزء الرخو , أو الضعيف في الجسد المصري , ومحاولاً الضغط علي مناطق ضعفه بالتلويح بورقة التيارات الدينية الأصولية تارة , وتارة أخري بالضغط علي رجال الكنيسة المصرية , لدرجة اصبح معها الوضع متأزم بين الأقباط وبين المؤسسة الكنسية , والمأزوم في النهاية هو المواطن المصري المسيحي أو المسلم الشيعي أو السني أو البهائي أو غيرهم

بالرغم من أن الأوراق مختلطة لدي النظام الحاكم إلا أنه يقوم بترتيبها من وقت لآخر حسب منطلقات منظومته الإستبدادية في الطغيان والفساد , ومن ثم كان الزج بالأقباط وبالقيادات القبطية الكنسية نحو درج المطالب الدينية بالتأسي بالمطالب الدينية المتاحة للمسلمين , وكان السير في طريق حتماً مغلق تجاه التحرر من ربقة وذل واستعباد النظام الحاكم للمواطنين المصريين مسلمين ومسيحيين بل شيعة وبهائيين , وحتي النوبيين , وقراءة الواقع المصري المفضوح يشهد بذلك

الأقباط بدأوا في السير تجاه مطمح الحقوق المدنية , والكنيسة تدفعهم تجاه مطمح الحقوق الدينية , ولكن خطايا النظام الحاكم وإجرامه في حق الأقباط تحديداً جعلهم يخرجوا علي إرادة الكنيسة المصرية التي في الظاهر وكأنها تريد أن يتحول الأقباط جميعهم إلي سالف التاريخ فيما تم التعرف عليه برهبان العامود

أعتقد أن المظاهرات الأخيرة التي تأهب لها العديد من الأقباط واستعدوا لها لدرجة أن يأتوا للقاهرة من الصعيد أمام دار القضاء العالي منددين بحملة الإعتقالات التي طالت أهلهم , بل ورافضين بعض النداءات لمن يفترض فيهم أنهم قيادات مدنية حينما نادي بشعار ( إحنا ولادك يامبارك ) وخالفوه في النداء ورددوا الشعارات التي تروق لهم

بل وكانت مظاهرات مركز المليون ورائدها هاني الجزيرى بمثابة إنطلاقة نحو البوح والفضفضة ولكن بالصوت العالي , وفي الشارع العام

هذه المظاهرات والوقفات الإحتجاجية كانت تسبقها مظاهرات ووقفات إحتجاجية لأقباط الخارج في معظم دول أوروبا وكندا وأمريكا وأستراليا , ومع شديد الأسف فإن الكنيسة المصرية ترسل مندوبيها في محاولة لمماراة الطغيان والإستبداد المصري , محاولة منع تظاهرات وإحتجاجات الخارج بإدعاءات واهنة تخدم علي الطغيان الكنسي المتوائم مع الطغيان السياسي في سلب الحقوق المدنية وتحويل رصيدها ليكون في المقابل رصيداً دينياً مؤجلاً للآخرة بزعم رضاء المسيح وفقط , وهذه المسالك لاترضي المسيح ولا ترضي أي نبي من الأنبياء في الديانات السماوية أو حتي الديانات الوثنية

مطالب الكنيسة روحية سماوية متمثلة في الخلاص من علائق الفساد والطغيان والظلم , ومتمسكة بالخلاص من العفن الدنيوي , ناظرة للطهر السماوي , ورسالة السياسة تنظر وتبحث في مطالب الجسد وإشباع غرائزه في إطار منظومة دستورية وقانونية تحظي بالتقدير والإحترام في كل نصوصها القانونية المتوجب إتباعها , ومن يخالفها يقع تحت طائلة منظومة العقاب الآني وليس المؤجل

فمن يحاول أن يسرق الآني لصالح المؤجل , لن نراه إلا مؤيداً للفساد والطغيان ومؤيداً لمنظومة الإستبداد

الأقباط في مجملهم أصبحوا علي وعي بمطالبهم كمواطنين رسالتهم الحقيقية في إرساء دولة المواطنة , وهم من أوائل الناس الأقدر علي حمل تبعة إرساء قواعد دولة المواطنة , ولكن الكنيسة المصرية بمساعيها المتدخلة في المسائل السياسية ومساندة السلطة هي التي تعرقل أولي خطوات السير في وضع لبنات دولة المواطنة , مثلها في ذلك مثل باقي التيارات الدينية الإسلامية التي تمسك بتلابيب الأطراف وتترك أصل الموضوع , وتنظر للشكل وتهمل المضمون , فالمضمون هو الديمقراطية والحريات الفردية والإجتماعية وحقوق الإنسان المجرد من أي إنتماء سياسي أو ديني , وهذا هو المطمح الإنساني للرقي بالمجتمعات وتحقيق دولة المواطنة

الأقباط ليسوا أرانب بطاريات , ولم يريدوا أن يكونوا كذلك , ولكن هناك من يريدهم كذلك , والفترة البسيطة الماضية أظهرت أن هناك تحولات في الوعي القبطي , وكان مرجعها في الأساس هي سلطة الطغيان الحاكمة , وطغيان الكنيسة المصرية الواقع علي الأقباط أنفسهم بتدخلاتها السياسية , فهم بين فكي سياسة النظام الحاكم , وسياسة الكنيسة المصرية الرافضة أن يكون لها قرار ضد الإنتهاكات الواقعة علي الروح والجسد القبطي

يؤكد ذلك ماحدث في الوقفة الإحتجاجية داخل الكاتدرائية بالعباسية وأمام المقر البابوي , وماردده الأقباط من هتافات تندد بالحزب الحاكم وتدخل ثلاثة اساقفة لمنع هذه الوقفة ومنع هذه الهتافات , وكذلك تدخل أمن الكاتدرائية لفض هذه الوقفة الإحتجاجية المنددة بالحزب الحاكم , والتي أعلنت عدم النية في إنتخابه

محمود الزهيري
mahmoudelzohery@yahoo.com

No comments:

Post a Comment